يعد إيمانويل ماكرون هو أول رئيس فرنسي في عقد من الزمان لا ينتمي إلى جيل الخمسينات (طفرة المواليد).
وغالبا ما يتم خوض المعركة التي دامت 41 عاما لإصلاح اقتصاد فرنسا الذي يتسم بزيادة الضرائب وزيادة الإنفاق باسم المساواة بين الأجيال –وإلى حد كبير عن طريق إمالة التوازن بعيدا عن كبار السن لصالح الشباب. في العام الماضي، وفي لفتة لمساعدة الشباب القادمين إلى سوق العمل، رفعت إدارة ماكرون ضرائب الرعاية الاجتماعية على أصحاب المعاشات التقاعدية، في خطوة لم تحظَ بشعبية والتي تم الرجوع عنها لاحقا في مواجهة احتجاجات عارمة في الشوارع من قبل أصحاب السترات الصفراء.
والآن، يستهدف ماكرون المتقاعدين مرة أخرى، وهذه المرة من خلال اقتراح بإلغاء خطط التقاعد البيزنطية في البلاد (نحو 42 خطة) لصالح نظام شامل قائم على النقاط والذي من شأنه أن يكون أكثر شفافية ومساواة للأجيال القادمة. وقد طرح هذا النظام باعتباره خطة «القرن الحادي والعشرين» لتغيير المجتمع، حيث يكون أصحاب العمل الحر والعاملين بدوام جزئي (وكلاهما يمثلان نقطة سلبية في نظام المعاش الطبيعي) يمثلون بالفعل أكثر من ثلث الوظائف.
وكان رد فعل النقابات العمالية لا هوادة فيه، حيث أطلقت نوعاً من الإضرابات المعيقة التي لم تشهدها البلاد منذ سنوات. لا يبدو القرن الـ 21 أنه يمثل متعة كبيرة لهؤلاء الذين يعرقلون وسائل النقل العام: وإتاحة الفرص للمنافسة ستعني إنهاء مخططات سخية مثل تلك التي تسمح لعمال السكك الحديدية ومترو الأنفاق بالتقاعد عند بلوغ سن الـ 56 أو 57 بمعاش يدعمه دافعو الضرائب. وكان إضراب يوم الثلاثاء اختباراً كبيراً لما إذا كانت النقابات قادرة على مجاراة الضغط: بعد أن جذب الاحتجاج الأول 800.000 شخص، وفقاً لأرقام الحكومة، تراجعت المشاركة هذا الأسبوع إلى 339.000.
وهناك فجوة ديموغرافية صارخة تتسع بين مواليد الخمسينات الذين يتقاعدون في سوق العمل ومن يصغرونهم في السن الذين ما زالوا يعملون. يتقاعد الفرنسيون حالياً بأربع سنوات تقريباً قبل متوسط سن التقاعد في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 65 عاماً، ويتقاضون معاشات تزيد عن معدلات متوسط استبدال الدخل –بتمويل من مساهمات هؤلاء الذين ما زالوا في العمل. واليوم، أصبح الفرنسيون من مواليد الخمسينات أثرياء: هؤلاء الذين تزيد أعمارهم عن 65 يمثلون 60% من جميع الثروة و75% منهم يمتلكون منازل خاصة بهم. ووجدت دراسة أجريت عام 2018 أن المتقاعدين يتمتعون بمستوى معيشة أعلى من المعدل الوطني.
بحلول عام 2050، تتوقع الإحصائيات الفرنسية الرسمية أن تتبدل هذه النسبة ليصبح عدد الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً 122 مقابل كل 100 شخص تقل أعمارهم عن العشرينات. وتشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أنه في الوقت الحالي يوجد ما يقرب من ثلاثة عاملين يمولون معاشا واحدا، وبحلول 2050 سيصبح هذا العدد أقل من اثنين. والحقيقة القاسية هي أن معاشات الغد ستكون أقل سخاءً، وستتطلب من الناس العمل لفترة أطول، خاصة إذا كان الإنفاق الحكومي على المعاش سيظل عند نسبة 14% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي. بيد أن فرنسا ليست وحدها –إنها ظاهرة في جميع أنحاء أوروبا –لكن من الواضح أنها عقبة مستقبلية على الموارد المالية.
إن إصلاح ماكرون، على الرغم من أنه لا يمثل حلا حاسما، إلا أنه كان من المفترض أن يعالج هذا جزئيا على الأقل من خلال دفع الناس إلى العمل لفترة أطول من خلال حل الثغرات وجعل نظام المعاشات أكثر شفافية. كان المقصود صراحة أن يكون نهجا أكثر تساهلا من مجرد رفع سن التقاعد وترك التغييرات الأكبر لوقت لاحق. لقد أدى هذا النهج إلى نتائج عكسية، فالفرنسيون الآن يربطون بين ماكرون وانخفاض المعاشات التقاعدية ورفع سن التقاعد خلسة وحتى تطبيق نظام خصخصة بطريقة غير مباشرة.
*كاتب متخصص في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
وغالبا ما يتم خوض المعركة التي دامت 41 عاما لإصلاح اقتصاد فرنسا الذي يتسم بزيادة الضرائب وزيادة الإنفاق باسم المساواة بين الأجيال –وإلى حد كبير عن طريق إمالة التوازن بعيدا عن كبار السن لصالح الشباب. في العام الماضي، وفي لفتة لمساعدة الشباب القادمين إلى سوق العمل، رفعت إدارة ماكرون ضرائب الرعاية الاجتماعية على أصحاب المعاشات التقاعدية، في خطوة لم تحظَ بشعبية والتي تم الرجوع عنها لاحقا في مواجهة احتجاجات عارمة في الشوارع من قبل أصحاب السترات الصفراء.
والآن، يستهدف ماكرون المتقاعدين مرة أخرى، وهذه المرة من خلال اقتراح بإلغاء خطط التقاعد البيزنطية في البلاد (نحو 42 خطة) لصالح نظام شامل قائم على النقاط والذي من شأنه أن يكون أكثر شفافية ومساواة للأجيال القادمة. وقد طرح هذا النظام باعتباره خطة «القرن الحادي والعشرين» لتغيير المجتمع، حيث يكون أصحاب العمل الحر والعاملين بدوام جزئي (وكلاهما يمثلان نقطة سلبية في نظام المعاش الطبيعي) يمثلون بالفعل أكثر من ثلث الوظائف.
وكان رد فعل النقابات العمالية لا هوادة فيه، حيث أطلقت نوعاً من الإضرابات المعيقة التي لم تشهدها البلاد منذ سنوات. لا يبدو القرن الـ 21 أنه يمثل متعة كبيرة لهؤلاء الذين يعرقلون وسائل النقل العام: وإتاحة الفرص للمنافسة ستعني إنهاء مخططات سخية مثل تلك التي تسمح لعمال السكك الحديدية ومترو الأنفاق بالتقاعد عند بلوغ سن الـ 56 أو 57 بمعاش يدعمه دافعو الضرائب. وكان إضراب يوم الثلاثاء اختباراً كبيراً لما إذا كانت النقابات قادرة على مجاراة الضغط: بعد أن جذب الاحتجاج الأول 800.000 شخص، وفقاً لأرقام الحكومة، تراجعت المشاركة هذا الأسبوع إلى 339.000.
وهناك فجوة ديموغرافية صارخة تتسع بين مواليد الخمسينات الذين يتقاعدون في سوق العمل ومن يصغرونهم في السن الذين ما زالوا يعملون. يتقاعد الفرنسيون حالياً بأربع سنوات تقريباً قبل متوسط سن التقاعد في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 65 عاماً، ويتقاضون معاشات تزيد عن معدلات متوسط استبدال الدخل –بتمويل من مساهمات هؤلاء الذين ما زالوا في العمل. واليوم، أصبح الفرنسيون من مواليد الخمسينات أثرياء: هؤلاء الذين تزيد أعمارهم عن 65 يمثلون 60% من جميع الثروة و75% منهم يمتلكون منازل خاصة بهم. ووجدت دراسة أجريت عام 2018 أن المتقاعدين يتمتعون بمستوى معيشة أعلى من المعدل الوطني.
بحلول عام 2050، تتوقع الإحصائيات الفرنسية الرسمية أن تتبدل هذه النسبة ليصبح عدد الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً 122 مقابل كل 100 شخص تقل أعمارهم عن العشرينات. وتشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أنه في الوقت الحالي يوجد ما يقرب من ثلاثة عاملين يمولون معاشا واحدا، وبحلول 2050 سيصبح هذا العدد أقل من اثنين. والحقيقة القاسية هي أن معاشات الغد ستكون أقل سخاءً، وستتطلب من الناس العمل لفترة أطول، خاصة إذا كان الإنفاق الحكومي على المعاش سيظل عند نسبة 14% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي. بيد أن فرنسا ليست وحدها –إنها ظاهرة في جميع أنحاء أوروبا –لكن من الواضح أنها عقبة مستقبلية على الموارد المالية.
إن إصلاح ماكرون، على الرغم من أنه لا يمثل حلا حاسما، إلا أنه كان من المفترض أن يعالج هذا جزئيا على الأقل من خلال دفع الناس إلى العمل لفترة أطول من خلال حل الثغرات وجعل نظام المعاشات أكثر شفافية. كان المقصود صراحة أن يكون نهجا أكثر تساهلا من مجرد رفع سن التقاعد وترك التغييرات الأكبر لوقت لاحق. لقد أدى هذا النهج إلى نتائج عكسية، فالفرنسيون الآن يربطون بين ماكرون وانخفاض المعاشات التقاعدية ورفع سن التقاعد خلسة وحتى تطبيق نظام خصخصة بطريقة غير مباشرة.
*كاتب متخصص في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»